
اضطراب الشخصية الفصامية: أعراضه وطرق علاجه
في عالم الطب النفسي، تُعد اضطرابات الشخصية من أكثر الحالات تعقيدًا وغموضًا، لأنها تتعلق بنمط ثابت من التفكير والتفاعل والسلوك، يظهر منذ مراحل مبكرة من الحياة ويستمر بمرور الوقت. ومن بين هذه الاضطرابات، يظهر اضطراب الشخصية الفُصامية كحالة فريدة، تتميز بالعزلة الاجتماعية العميقة، والبرود العاطفي، والرغبة القليلة – أو المعدومة – في إقامة علاقات قريبة مع الآخرين.
الفهرس
- مفهوم اضطراب الشخصية الفصامية
- أعراض اضطراب الشخصية الفصامية
- أسباب اضطراب الشخصية الفصامية
- أنواع اضطراب الشخصية الفصامية
- طرق تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية
- طرق علاج اضطراب الشخصية الفصامية
- طرق الوقاية من اضطراب الشخصية الفصامية
- المصادر المستعملة في كتابة المقال
- 🔹 منظمات دولية وهيئات طبية
- 🔹 مصادر أكاديمية وطبية
- 🔹 مقالات ومصادر متعمقة
يُعتبر اضطراب الشخصية الفُصامية من اضطرابات المجموعة “أ” في تصنيف اضطرابات الشخصية حسب DSM-5، والمعروفة باسم مجموعة الاضطرابات الغريبة أو الشاذة. يُظهر المصاب بهذا الاضطراب ميولًا للعزلة والانطواء، ويبدو غير مكترث بالناس أو العلاقات، كما يصعب عليه التعبير عن مشاعره أو فهم عواطف الآخرين.
تهدف هذه المقالة إلى شرح هذا الاضطراب بشكل علمي مبسط ومفصل، من حيث المفهوم، الأعراض، الأسباب، الأنواع ذات الصلة، وسائل التشخيص، خيارات العلاج، وطرق الوقاية، وذلك لمساعدة الباحثين والمهتمين على فهم الحالة بشكل دقيق ومتكامل.
مفهوم اضطراب الشخصية الفصامية
اضطراب الشخصية الفصامية (Schizoid Personality Disorder) هو حالة نفسية مزمنة تتسم بنمط دائم من الانفصال عن العلاقات الاجتماعية، والقيود في التعبير العاطفي في السياقات الشخصية. الشخص المصاب بهذا الاضطراب يبدو غالبًا منعزلًا، يفضل الأنشطة الفردية، ولا يشعر بالحاجة أو الرغبة في إقامة علاقات وثيقة، سواء كانت عاطفية أو اجتماعية.
يُظهر هؤلاء الأفراد درجة منخفضة من الاستجابة العاطفية، وقد يبدو عليهم أنهم “باردون” أو “منعزلون” في تفاعلهم مع الآخرين. لا يشعرون غالبًا بالسعادة أو المتعة من التفاعلات الاجتماعية، ويميلون إلى الانخراط في أنشطة فردية مثل القراءة، الكتابة، الألعاب الفكرية، أو العمل المهني غير الاجتماعي.
من المهم التمييز بين اضطراب الشخصية الفُصامية والفُصام (Schizophrenia). رغم التشابه في الاسم وبعض الخصائص (مثل الانعزال الاجتماعي)، فإن اضطراب الشخصية الفُصامية لا يتضمن الهلوسات أو الأوهام التي تُميز الفُصام، ولا يؤثر عادة على الإدراك أو الواقع بنفس الشكل.
أعراض اضطراب الشخصية الفصامية
غالبًا ما تظهر أعراض اضطراب الشخصية الفصامية في مرحلة المراهقة أو أوائل البلوغ، وتستمر طوال الحياة ما لم تُعالج بشكل مناسب. تتسم الأعراض بثباتها مع الزمن، وتتداخل مع القدرة على إقامة علاقات طبيعية. يتمثل العرض الأساسي في الانعزال الاجتماعي الطوعي، أي أن الشخص لا يتجنب العلاقات بسبب القلق أو الخوف، بل لأنه ببساطة لا يرغب فيها.
من أبرز الأعراض: البرود العاطفي، حيث لا يظهر الشخص مشاعر واضحة تجاه الآخرين، ولا يتفاعل مع الأحداث بطريقة معتادة. كما يظهر عليه نقص في الحميمية، فهو لا يسعى لتكوين صداقات أو علاقات قريبة. يجد المصاب بالاضطراب متعة أكبر في الأنشطة الفردية مقارنة بالتفاعل الاجتماعي.
كذلك، يبدو الشخص غير متأثر بالمدح أو النقد، ولا يهتم بما يعتقده الآخرون عنه. ويفضّل الأعمال أو الهوايات التي لا تتطلب تفاعلاً مع الآخرين. قد يعاني أيضًا من صعوبة في التعبير عن مشاعره، أو قد يبدو وكأن مشاعره منعدمة أو سطحية. بعض الأفراد يبدون “منفصلين” عاطفيًا، رغم أنهم قد يشعرون بمشاعر داخلية يصعب عليهم التعبير عنها.
أسباب اضطراب الشخصية الفصامية
- عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي لاضطرابات الشخصية أو الفُصام يزيد من احتمالية الإصابة.
- خلل في النواقل العصبية: خصوصًا الدوبامين، قد يؤثر على التفاعل العاطفي والاجتماعي.
- البيئة الطفولية الباردة أو المهملة: العلاقات المبكرة غير الآمنة أو التجارب العاطفية السلبية قد تسهم في تطور النمط الانعزالي.
- العزلة الاجتماعية المبكرة: الانسحاب الاجتماعي في سن الطفولة قد يترسخ ليصبح نمطًا دائمًا.
- عوامل نفسية: ضعف القدرة على فهم أو التعبير عن العواطف، واضطراب في نظرية العقل (Theory of Mind).
- تجارب مؤلمة: مثل التنمر، الإهمال، أو الإساءة العاطفية قد تسهم في الانسحاب من العالم الخارجي.
- السمات الشخصية: كالميل إلى التفكير الداخلي، الانطواء الشديد، وقلة الرغبة في التفاعل الاجتماعي.
أنواع اضطراب الشخصية الفصامية
رغم أن اضطراب الشخصية الفصامية يُصنّف كنوع واحد في الدليل التشخيصي، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هناك أنماطًا فرعية أو درجات مختلفة منه، تشمل:
- النمط الانعزالي النقي: يميل للعيش وحده، يفتقد أي اهتمام بالعلاقات، سواء العائلية أو الاجتماعية.
- النمط المتكيّف وظيفيًا: قد ينجح في العمل أو الدراسة، بشرط أن تكون المهام غير اجتماعية.
- النمط المتأمل فكريًا: يقضي وقته في التفكير أو النشاطات الذهنية، مثل البرمجة أو الكتابة، دون حاجة للتفاعل الاجتماعي.
- النمط الحساس داخليًا: يبدو باردًا في الظاهر، لكنه قد يشعر بالعواطف داخليًا دون القدرة على التعبير عنها.
- النمط المرتبط باضطرابات أخرى: قد يكون مرتبطًا باضطرابات مثل التوحد، أو اضطرابات المزاج.
مقال ذي صلة: اضطراب الشخصية الوسواسية: أعراضه، وطرق علاجه
طرق تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية
يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية تقييمًا دقيقًا من قبل طبيب نفسي مختص، يستند إلى معايير واضحة مثل تلك الواردة في DSM-5، والتي تنص على وجود نمط دائم من الانفصال عن العلاقات الاجتماعية ومحدودية التعبير العاطفي، يظهر في بداية البلوغ ويظهر في سياقات مختلفة.
يجب أن تظهر أربعة أو أكثر من الأعراض التالية:
- لا يرغب في إقامة علاقات وثيقة، بما في ذلك علاقات أسرية.
- يفضل دائمًا الأنشطة الفردية.
- يملك رغبة قليلة – أو منعدمة – في الاتصال الجنسي مع الآخرين.
- يستمتع بعدد قليل جدًا من الأنشطة، إن وُجدت.
- لا يملك أصدقاء مقربين.
- يبدو غير مبال بالمديح أو النقد.
- يظهر برودًا عاطفيًا أو انفصالًا واضحًا.
من الضروري أيضًا استبعاد الحالات الأخرى مثل التوحد أو الفُصام، والتأكد من أن الأعراض ليست نتيجة تأثيرات بيولوجية مباشرة (مثل الأدوية أو الحالات العصبية).
طرق علاج اضطراب الشخصية الفصامية
- العلاج النفسي الفردي: يُعتبر العلاج بالكلام فعالًا، خاصة عندما يكون مبنيًا على الثقة والوتيرة البطيئة.
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد المريض على تطوير مهارات اجتماعية وتحسين التفكير عن الذات والآخرين.
- العلاج القائم على القبول والالتزام (ACT): يعلّم المريض تقبّل حالته والعمل على تطوير حياة ذات مغزى رغم الأعراض.
- العلاج الدوائي: لا يوجد دواء مخصص لهذا الاضطراب، لكن قد تُستخدم مضادات الاكتئاب أو القلق في حالات الأعراض المصاحبة.
- التدريب على المهارات الاجتماعية: يُستخدم لتحسين التفاعل مع الآخرين وزيادة القدرة على إقامة علاقات.
- العلاج الأسري: مفيد لفهم طبيعة الحالة وتحسين العلاقات العائلية والدعم الأسري.
- التدريب المهني والدعم الوظيفي: يساعد على الاندماج في بيئة العمل بشكل مستقر وفعّال.
طرق الوقاية من اضطراب الشخصية الفصامية
لا توجد طريقة مضمونة للوقاية من اضطراب الشخصية الفصامية، نظرًا لطبيعته المعقدة وتداخله بين العوامل الوراثية والبيئية، إلا أن التدخل المبكر يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا. رعاية الطفولة في بيئة آمنة، داعمة، ومتفاعلة عاطفيًا، تلعب دورًا مهمًا في الوقاية من أنماط الانفصال الاجتماعي.
كما أن التعرف المبكر على السمات الانعزالية والتعامل معها من خلال العلاج النفسي يمكن أن يمنع تطورها إلى اضطراب كامل. دعم الأطفال والمراهقين الذين يظهرون ميولًا للانعزال، ومنحهم الفرص للتعبير عن أنفسهم والتفاعل بطريقة آمنة، هو من أهم خطوات الوقاية.
من الضروري تعزيز الوعي المجتمعي حول اضطرابات الشخصية بشكل عام، وتوفير موارد نفسية ميسّرة تساعد الأفراد في الوصول إلى المساعدة المناسبة في الوقت المناسب.
ختامًا…
✔️ إذا لاحظت على نفسك أو على من تحب ميولًا متكررة للعزلة الاجتماعية، برودًا عاطفيًا، أو ضعفًا في العلاقات الاجتماعية دون سبب واضح، فقد تكون هذه علامات اضطراب الشخصية الفُصامية. لا تنتظر حتى تتفاقم الأعراض — التدخل النفسي المبكر يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين نوعية الحياة.
المصادر المستعملة في كتابة المقال
🔹 منظمات دولية وهيئات طبية
- Schizotypal personality disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
- Schizotypal Personality Disorder: Symptoms & Treatment
🔹 مصادر أكاديمية وطبية
- Schizotypal personality disorder: MedlinePlus Medical Encyclopedia
- Schizotypal Personality Disorder (STPD) – Psychiatric Disorders – MSD Manual Professional Edition