
اضطراب الشخصية الوسواسية: أعراضه، وطرق علاجه
اضطراب الشخصية الوسواسية هو أحد اضطرابات الشخصية التي تنتمي إلى “المجموعة C”، وهي مجموعة تتميز بالقلق والخوف المزمن. يتميّز هذا الاضطراب بنمط دائم من التفكير والسلوك الصارم، والتمسّك بالكمال، والانضباط الزائد على حساب المرونة والعلاقات الشخصية.
الفهرس
يخلط كثير من الناس بين اضطراب الشخصية الوسواسية (OCPD) واضطراب الوسواس القهري (OCD)، إلا أن الفارق الجوهري هو أن الشخص المصاب بـ OCPD لا يرى أن سلوكياته خاطئة أو مزعجة، بل يعتبرها طبيعية أو حتى مثالية، بينما مريض الوسواس القهري يعاني من أفكاره القهرية ويحاول التخلص منها.
يبدأ هذا الاضطراب عادة في سن البلوغ المبكر، وقد يستمر طوال الحياة إذا لم يتم التعامل معه بوعي وعلاج مناسب. ورغم أن المصاب قد يبدو ناجحًا في مجالات معينة بسبب التزامه، إلا أن علاقاته الاجتماعية والمهنية قد تتأثر سلبًا.
اضطراب الشخصية الوسواسية
اضطراب الشخصية الوسواسية هو حالة نفسية تتسم بنمط دائم من السلوك الصارم والبحث المفرط عن الكمال، مع انشغال زائد بالقواعد، والنظام، والسيطرة، والترتيب. يعاني الشخص المصاب من صعوبة في التعبير عن مشاعره، ويفضل التركيز على التفاصيل الصغيرة بدلًا من الصورة العامة.
هذا الاضطراب لا يتعلق فقط بالرغبة في النظام أو الترتيب، بل يتجاوز ذلك إلى مستوى يؤثر فيه سلوك الفرد على جودة حياته اليومية، ويتسبب في اضطراب علاقاته بالآخرين. المصابون غالبًا ما يكونون غير مرنين، ويواجهون صعوبة في العمل الجماعي، بسبب رغبتهم الدائمة في التحكم بكل التفاصيل، وصعوبة قبول الآراء المختلفة أو الطرق البديلة في الإنجاز.
أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية
تظهر أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية بشكل تدريجي، وتصبح جزءًا من نمط حياة الفرد. من أهم الأعراض التي قد يلاحظها المحيطون:
- الانشغال المفرط بالكمال والدقة في كل مهمة، مهما كانت بسيطة، إلى درجة تعيق الإنجاز. فغالبًا ما لا ينتهي الشخص من مهمة معينة بسبب محاولاته المستمرة لتعديلها وتحسينها.
- يميل المصاب إلى العمل بشكل مفرط، ويولي اهتمامًا مبالغًا فيه للإنتاجية والإنجاز، حتى على حساب علاقاته الاجتماعية أو أسرته. الاسترخاء أو قضاء وقت في الترفيه قد يُشعره بالذنب أو الفراغ.
- الحاجة المستمرة إلى السيطرة، والاعتماد المفرط على القواعد والتعليمات، دون مرونة أو تكيّف مع التغيرات. يجد صعوبة في العمل ضمن فريق لأنه يفضل أن تتم الأمور “بطريقته”.
- يمتلك قيمًا أخلاقية صارمة، ولا يتسامح مع أخطاء الآخرين أو نفسه. يرى الأمور دائمًا بصيغة “صواب أو خطأ”، دون مناطق رمادية.
- يميل إلى الاكتناز والاحتفاظ بالأشياء عديمة القيمة، لأنه يعتقد أنه قد يحتاجها لاحقًا، ويرفض التخلص منها بسهولة.
- العلاقات العاطفية للمصاب تتأثر بسبب نقده المستمر، وعدم تعبيره عن مشاعره بحرية، وصعوبة تقبله لعيوب الآخرين.
- كل هذه السلوكيات تكون نابعة من إحساس داخلي بالحاجة للسيطرة والكمال، وليس نتيجة لقلق خارجي، كما هو الحال في الوسواس القهري.
أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية
لا يوجد سبب واحد واضح للإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية، ولكن هناك عدة عوامل يُعتقد أنها تلعب دورًا في ظهوره، منها:
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي من اضطرابات الشخصية أو القلق يزيد من احتمالية الإصابة.
- البيئة الأسرية في الطفولة: التربية الصارمة أو التي تعتمد على القواعد والانتقاد الدائم قد تساهم في تطوير هذا النمط من الشخصية.
- السمات البيولوجية: بعض الدراسات تشير إلى وجود خلل في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم الانفعالات واتخاذ القرار.
- العوامل النفسية: التجارب السلبية في الطفولة، مثل الحرمان أو المبالغة في التحفيز، قد تؤدي إلى الحاجة المستمرة للسيطرة والكمالية.
- التنشئة الاجتماعية: المجتمعات التي تُشجع على الإنتاجية العالية والانضباط الصارم قد تُعزز من بعض خصائص هذا الاضطراب.
أنواع اضطراب الشخصية الوسواسية
رغم أن اضطراب الشخصية الوسواسية يُشخّص كنمط واحد في الدليل التشخيصي، إلا أن بعض الأطباء النفسيين يقسّمونه إلى أنماط فرعية غير رسمية لتسهيل الفهم:
- النوع الكمالي: يتميّز بالانشغال المفرط بالتفاصيل والدقة والإنجاز دون أخطاء.
- النوع المتحكّم: يُظهر رغبة شديدة في السيطرة على المحيطين به، ويرفض التفويض أو المرونة.
- النوع الأخلاقي: يتميّز بتمسكه الصارم بالقيم والمبادئ، ولا يتسامح مع من يخالفها.
- النوع المتردد: يُظهر تردّدًا كبيرًا في اتخاذ القرارات، خوفًا من الوقوع في الخطأ.
- النوع المكتنز: يحتفظ بأشياء لا قيمة لها بسبب اعتقاده أنه قد يحتاجها لاحقًا.
هذه الأنواع قد تتداخل، وقد يُظهر الشخص سمات من أكثر من نوع في الوقت نفسه.
مقال ذي صلة: اضطراب الشخصية الاعتمادية: أسبابه وطرق علاجه
طرق تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية
يتم تشخيص اضطراب الشخصية الوسواسية من قبل أخصائي الطب النفسي أو الإكلينيكي بناءً على المعايير المُدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يجب أن تظهر على الشخص خمسة أو أكثر من الخصائص التالية بشكل مستمر منذ البلوغ المبكر، وفي عدة مواقف حياتية:
- انشغال مفرط بالتفاصيل، القواعد، القوائم، والنظام.
- الكمالية التي تعيق الإنجاز.
- الانخراط الزائد في العمل على حساب الراحة والعلاقات.
- الضمير الأخلاقي المتشدد وغير المرن.
- عدم القدرة على التخلص من الأشياء عديمة القيمة.
- التردد في تفويض المهام للآخرين.
- التمسك بالبخل سواء على النفس أو الغير.
- الجمود والصلابة في السلوك والأفكار.
يتم التأكد من أن هذه السلوكيات لا تعود إلى حالات أخرى مثل اضطراب الوسواس القهري أو الاكتئاب، وأنها تسبب خللاً واضحًا في العلاقات أو الأداء المهني أو الشخصي.
طرق علاج اضطراب الشخصية الوسواسية
يمكن التعامل مع اضطراب الشخصية الوسواسية بفعالية من خلال عدة مسارات علاجية، غالبًا ما تكون طويلة الأمد وتشمل:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد على تعديل أنماط التفكير الصارمة والكمالية، وزيادة القدرة على التكيّف والمرونة.
- العلاج النفسي الديناميكي: يركّز على فهم الجذور العاطفية العميقة التي أدت إلى هذه الشخصية.
- العلاج الجماعي: يساهم في تحسين التفاعل الاجتماعي وتقبّل وجهات النظر المختلفة.
- الأدوية النفسية (مثل SSRIs): لا تُعالج الاضطراب بشكل مباشر، لكنها تُستخدم في حال وجود أعراض مرافقة مثل القلق أو الاكتئاب.
- التثقيف النفسي: توعية المصاب بآثار سلوكياته على علاقاته وجودة حياته.
- تمارين الاسترخاء والتأمل: تساعد على تقليل التوتر وتحسين التقبل.
طرق الوقاية من اضطراب الشخصية الوسواسية
لا توجد وسيلة مؤكدة للوقاية من اضطراب الشخصية الوسواسية، لكن بعض الخطوات قد تقلل من شدّته أو تطوره، خاصة عند التعامل المبكر مع السمات الوسواسية في سن المراهقة أو بداية البلوغ. الدعم الأسري المتوازن، وتجنب النقد المستمر في الطفولة، وتعليم الأطفال التعبير عن مشاعرهم بمرونة، كلها عوامل تحمي من تطور سلوكيات وسواسية مفرطة.
كما أن طلب الاستشارة النفسية عند ملاحظة ميل مفرط للكمال أو السلوك الصارم، قد يمنع تدهور الحالة. بيئة العمل والمجتمع المتفهم وغير القائم على الإنجاز وحده، تلعب كذلك دورًا وقائيًا هامًا.
ختامًا…
إذا كنت تجد نفسك أو أحد أحبّائك غارقًا في التفاصيل، وتجد صعوبة في تقبّل الأخطاء أو التغيير، ويؤثر ذلك على حياتك الاجتماعية أو العاطفية — فقد تكون هذه علامات اضطراب الشخصية الوسواسية. هذا الاضطراب قابل للعلاج النفسي، والتدخل المبكر يصنع فرقًا كبيرًا.
المصادر المستعملة لكتابة المقال:
Obsessive-compulsive personality disorder: MedlinePlus Medical Encyclopedia