اضطراب القلق من المرض: مفهومه، أعراضه، أسبابه
الإنسان بطبعه يتأثر بصحته الجسدية، وتُعدّ المخاوف الصحية شيء طبيعي إلى حد ما، خصوصًا عند التعرض لأعراض مجهولة أو عند سماع أخبار عن أمراض خطيرة. لكن عندما تتجاوز هذه المخاوف حدّها الطبيعي وتتحول إلى حالة دائمة تستحوذ على التفكير وتعيق الحياة اليومية، فإنها قد تشير إلى اضطراب القلق من المرض (Illness Anxiety Disorder). يُعد هذا الاضطراب من الحالات النفسية التي تندرج ضمن اضطرابات الجسد (somatic‑related disorders)، ويُعرف بأنه خوف مفرط وغير منطقي من الإصابة بمرض خطير، بالرغم من الفحوصات السريرية والطبية التي لا تدعم وجود المرض أو تدل على شدة خفيفة فقط.
الفهرس
- مفهوم اضطراب القلق من المرض
- أعراض اضطراب القلق من المرض
- أسباب اضطراب القلق من المرض
- أنواع اضطراب القلق من المرض
- طرق تشخيص اضطراب القلق من المرض
- طرق علاج اضطراب القلق من المرض
- طرق الوقاية من اضطراب القلق من المرض
- المصادر المستعملة لكتابة المقال
- منظمات دولية وهيئات طبية
- مصادر أكاديمية وطبية
- مقالات ومصادر متعمقة
في هذه المقالة، سنناقش مفهوم هذا الاضطراب، أسبابه، أعراضه، أنواعه، كيفية تشخيصه، طرق علاجه والوقاية منه، مع التركيز على اللغة المتوازنة بين العلمية والطبية وسهولة الفهم. الهدف أن يكون المحتوى ملائمًا لمحركات البحث ومفيدًا للقارئ الباحث عن المعرفة النفسية والطبية.
مفهوم اضطراب القلق من المرض
اضطراب القلق من المرض، ويسمى أحيانًا “القلق الصحي” (Health Anxiety) أو ما كان يُعرف سابقًا بالهيبوكوندريا (Hypochondriasis)، هو حالة نفسية يتميّز فيها الشخص بانشغال مفرط بخوف وجود مرض عضوي خطير أو التطور إليه. هذا القلق يستمر لفترات طويلة، ويكون مزعجًا بدرجة تعيق الأداء اليومي والعلاقات الاجتماعية. غالبًا، لا تكون هناك مؤشرات طبية قوية تدعم وجود المرض، أو تكون المؤشرات بسيطة أو غير مقلقة، لكن الشخص يفسرها بشكل مفرط على أنها دليل على مرض كبير.
في التصنيفات الحديثة، مثل الـ DSM‑5، تم الانتقال من استخدام مصطلح “الهيبوكوندريا” إلى فئتين مرتبطتين:
- اضطراب الأعراض الجسدية (Somatic Symptom Disorder)
- اضطراب القلق من المرض (Illness Anxiety Disorder)
في الكثير من الأبحاث يُستخدم مصطلح “health anxiety” ليشمل طيفًا من القلق الصحي الخفيف إلى الشديد؛ والاضطراب يُمثل الطرف الشديد من هذا الطيف.
يُلاحظ أن الأشخاص الذين يعانون من القلق الصحي غالبًا ما يقومون بسلوكيات مثل البحث المتكرر في الإنترنت عن الأعراض (Cyberchondria)، أو مراجعة الأطباء مرات متكررة للحصول على طمأنينة، أو مراقبة الجسد باستمرار بحثًا عن أدلة على وجود المرض.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الاضطراب ليس مجرد “قلق عابر” بل يمكن أن يكون مزمنًا ونشطًا على مدى سنوات إذا لم يُعالج.
أعراض اضطراب القلق من المرض
الأعراض في اضطراب القلق من المرض غالبًا ما تكون مزيجًا من الأعراض النفسية والمعرفية والسلوكية، وقد تُلاحظ كما يلي:
- يعايش الشخص أفكارًا متكررة ومزعجة تفيد بأنه قد يكون مصابًا بمرض خطير، أو أن أعراضًا بسيطة في جسده هي دليل على مرض خطير. قد تكون هذه الأفكار مصحوبة بصور ذهنية مقلقة، كالشعور بأن “الورم ينمو” أو أن “القلب به خلل”.
- يكون الانتباه الشديد للعلامات الجسدية، فيراقب الشخص نبضه، تنفّسه، ألمًا طفيفًا أو تغيُّرًا بسيطًا في أي منطقة.
- غالبًا ما يفسر الشكوى أو العرض البسيط بطريقة مقلقة تفوِّضه إلى خطر كبير: مثلاً صداع بسيط يُفسَّر كورم في الدماغ، أو ألم بسيط في الصدر يُفسَّر كأزمة قلبية.
- يبحث الشخص كثيرًا في الإنترنت عن تفسيرات طبية لأعراضه، وقد يقرأ مقالات طبية ويُقلق نفسه بها (ما يُعرف بالـ cyberchondria).
- يُكرر زيارة الأطباء أو إجراء الفحوصات والاختبارات الطبية طلبًا للطمأنينة، إلا أن الطمأنينة غالبًا لا تدوم طويلاً.
أو قد على العكس، يتجنّب البعض مراجعة الأطباء، خوفًا من اكتشاف مرض خطير؛ أي قد يتسم الاضطراب بنوع “تجنّبي”. - يُصاب الشخص بالتوتر والقلق الشديد عند التفكير في صحته أو عند ظهور أي عرض بسيط.
- هذا القلق غالبًا يصاحبه أعراض جسمية ناتجة عن التوتر مثل: تسارع في نبض القلب، تعرّق، رعشة، اضطراب في النوم، اضطراب في الشهية، توتر عضلي، اضطراب في الهضم (غثيان، ألم البطن، اضطراب المعدة) وغيرها.
يمكن أن تؤثر هذه الأعراض على الأداء اليومي، في العمل، الدراسة، والعلاقات الاجتماعية؛ فيُصبح الشخص مشغولًا باستمرار بصحته، وقد تُقلل نوعية حياته وجودتها.
أسباب اضطراب القلق من المرض
فيما يلي مجموعة من الأسباب والعوامل التي يُعتقد أنها تساهم في ظهور اضطراب القلق من المرض:
- عوامل معرفية وسلوكية مثل تفسير الملاحظات الجسدية البسيطة تفسيرًا كارثيًا (التفكير الكارثي).
- تجربة سابقة لمرض حقيقي أو صدمة صحية في النفس أو في محيط الشخص (مثلاً مريض قريب).
- وجود خلفية من القلق العام أو الوسواس أو الاضطرابات النفسية الأخرى.
- ارتفاع الحساسية الجسدية أو الميول إلى الانتباه الشديد للإشارات الجسدية.
- التعلم أو النمذجة: رؤية أشخاص آخرين في العائلة يبالغون في القلق من المرض قد تُكوّن سلوكًا مشابهًا.
- التأثيرات البيولوجية أو البيولوجية النفسية التي تجعل الجهاز العصبي حساسًا للتغيرات الجسدية.
- عوامل وراثية قد تلعب دورًا في الاستعداد النفسي للقلق (أي أن من في العائلة لديهم اضطرابات قلق قد يكون لديهم قابلية أعلى).
- التعرض للمعلومات الصحية المفرطة عبر الإنترنت أو وسائل الإعلام، مما يفاقم الأفكار المقلقة حول المرض.
- العوامل البيئية مثل الضغوط النفسية، التوتر المزمن أو فقدان الدعم الاجتماعي.
هذه العوامل غالبًا تتفاعل مع بعضها البعض، فلا يكفي وجود عامل واحد فقط ليتسبّب بالاضطراب، بل وجود مزيج من العوامل يزيد من الاحتمال.
أنواع اضطراب القلق من المرض
اضطراب القلق من المرض يمكن أن يُصنّف في عدة أنماط أو أنواع وفق السمات السلوكية وطريقة التعامل، منها:
- النمط الباحث عن الرعاية (Care‑seeking subtype): حيث يميل الشخص إلى زيارة الأطباء بشكل متكرر، وربما الخضوع لفحوصات عدة للحصول على الطمأنينة.
- النمط المتجنّب أو المتهرب (Care‑avoidant subtype): حيث يتجنب الشخص مراجعة الأطباء والفحوصات خوفًا من التأكد من وجود المرض.
- النمط المختلط (في بعض حالات قد يجمع الشخص بين الرغبة في الفحوصات وفي الوقت نفسه الخوف منها).
- النمط المزمن (يستمر القلق لفترات طويلة ومستعرة ويتكرر)
- النمط العابر (في حالات أقل، قد يختفي القلق لبعض الوقت ثم يعود)
في بعض الأبحاث يُنظر إلى القلق الصحي كطيف (من القلق الخفيف إلى الشديد)، بحيث قد يكون لدى بعض الأشخاص درجة خفيفة من القلق الصحي ولا تُشكّل اضطرابًا كاملًا، بينما يعاني البعض البالغ من أعراض شديدة تندرج تحت التصنيف المرضي.
طرق تشخيص اضطراب القلق من المرض
تشخيص اضطراب القلق من المرض يكون غالبًا عبر تقييم نفسـي وطبي، مع الأخذ بالحسبان عدة معايير. لا يوجد اختبار طبي معيَّن يُثبت الاضطراب وحده، بل هو تشخيص تفريقي يعتمد على الجمع بين الأعراض، السلوك، والتاريخ الشخصي. إليك كيف يتم ذلك:
أولاً، يجري الطبيب أو الأخصائي مقابلة سريرية مع الشخص لتعريف الأعراض، مدى تكرارها وشدّتها، وتاريخها الزمني. يطرح أسئلة حول مدى تأثير هذه المخاوف على الحياة اليومية، وهل يحاول الشخص طلب الطمأنينة دائمًا، أو تجنُّب المراجعة الطبية، أو مراقبة الجسد.
ثانيًا، قد يُطلب إجراء بعض الفحوصات الطبية الأساسية للتأكد من أن الحالة الجسدية طبيعية أو أن أي تغيّر بسيط معروف جيدًا وليس مقلقًا. هذا الأمر مهم لاستبعاد الأمراض العضوية الحقيقية.
ثالثًا، يتم استخدام معايير تشخيصية مثل معايير DSM‑5 الخاصة بـ “Illness Anxiety Disorder” (أو معايير التشخيص المعترف بها في الدول) التي تتطلب وجود القلق الشديد من المرض لمدة لا تقل عادة عن ستة أشهر، مع تغيُّر في السلوك أو الأفكار المتعلقة بالمرض.
رابعًا، يُستبعد في التشخيص أن يكون القلق الصحي نتيجة لاضطراب نفسي آخر (مثل اضطراب الوسواس القهري، اضطراب القلق العام) أو نتيجة لمرض عضوي واضح ومُعلَن.
كما يُنظر إلى تشخيص تفريقي، أي التأكد من أن الأعراض لا تُفسَّر بصورة أفضل بوجود اضطراب آخر أو مرض عضوي.
أخيرًا، في بعض الحالات قد يُستخدم مقاييس تقييم الصحة النفسية والقلق الصحي المعيارية (مثل Health Anxiety Inventory وغيرها) كمكمل لتحديد شدة القلق الصحي.
إذا استوفى الشخص المعايير وكان القلق يسبب تداخلًا في حياته اليومية، يُشخّص باضطراب القلق من المرض، ويُقرّر البدء بالعلاج المناسب.
طرق علاج اضطراب القلق من المرض
إليك مجموعة من أساليب العلاج المعترف بها دوليًا لاضطراب القلق من المرض:
- العلاج المعرفي‑السلوكي (CBT) الموجّه نحو القلق الصحي (على سبيل المثال إعادة هيكلة الأفكار المبالغ فيها، تعرض تدريجي للمخاوف الصحية).
- العلاج بالتعرّض والردع (Exposure and Response Prevention) بحيث يتعرض الشخص لمثيرات صحية بسيطة دون اللجوء إلى الطمأنينة أو الفحص.
- العلاج القائم على القبول والالتزام (ACT) أو علاجات “التيارات الثالثة” التي تركز على العلاقة مع الأفكار وليس تغييرها فقط.
- العلاج بالأدوية النفسية (مثل مثبّطات السيروتونين من نوع SSRIs) في حال وجود اضطرابات مصاحبة أو إذا فشلت الطرق النفسية وحدها.
- التثقيف النفسي (Psychoeducation): تعليم المريض عن طبيعة القلق الصحي، كيف تتكوَّن الأفكار المقلقة، وكيف يمكن التعامل معها.
- التمارين الاسترخائية وتقنيات ضبط التوتر مثل التنفُّس العميق، الاسترخاء التدريجي للعضلات، التأمل (Mindfulness) وغيرها.
- المتابعة الدورية مع الطبيب النفسي أو المعالج لتقييم التقدّم وإدارة النكسات المحتملة.
- العلاج عبر الإنترنت أو العلاج بالوسائط الرقمية، في بعض الدراسات أظهرت فعالية في حالات القلق الصحي.
- الدعم الاجتماعي والمشاركة في مجموعات الدعم أو العلاج الجماعي في بعض الحالات.
- تحديد خطة طبية معتدلة للفحوصات والزيارات بحيث لا يُسقط المريض في استنفاد الطب أو الإفراط في الفحوصات، مع إشراف الطبيب.
من المهم أن يُصمم العلاج بناءً على حالة المريض، شدة الأعراض، وجود مشكلات نفسية مصاحِبة، واستعداده للمشاركة في العلاج.
طرق الوقاية من اضطراب القلق من المرض
الوقاية من اضطراب القلق من المرض ليست مضمونة، لكن هناك خطوات من الممكن أن تقلل من احتمالية تطوّره أو تفاقمه:
- من المفيد أن يكتسب الشخص فهمًا صحيحًا عن الجسم والصحة، وأن يعرف أن الجسم يتعرض دائمًا لتغيرات بسيطة قد تكون طبيعية.
- مراقبة استخدام الإنترنت عند البحث عن الأعراض الطبية: فالانغماس في قراءة الأعراض قد يعزّز الأفكار المقلقة.
- تعلم مهارات إدارة التوتر والإجهاد، مثل التقنيات التنفسية، والرياضة المنتظمة، والنوم الجيد.
- التوازن في مراجعة الأطباء: لا تأخر الفحص عند وجود أعراض مقلِقة، لكن أيضًا لا تُكثر من الفحوصات اللازِمة دون مبرّر طبي.
- تعزيز الدعم الاجتماعي: الحديث مع الأصدقاء أو الأسرة عن المخاوف، وجود من يفهمك قد يخفف من الشعور بالوحدة والخوف.
- الانخراط في أنشطة ترفيهية وذات معنى تساعد على تحويل التركيز من القلق الصحي إلى جوانب حياة أخرى.
- الاهتمام بالصحة النفسية العامة وتقوية المرونة النفسية من خلال التعرف على العواطف، وإدارة الأفكار السلبية، وممارسة التفكير الإيجابي.
من المهم أن ندرك أن الوقاية لا تعني غياب أي قلق صغير، بل السيطرة على القلق وتحويله إلى قلق طبيعي وليس مهيمنًا.
ختامًا…
✔️ إذا كنت تمر بتقلبات مزاجية حادة، أو لاحظت على نفسك أو على من تحب نوبات من النشاط المفرط تتبعها فترات من الاكتئاب، فقد تكون هذه علامات اضطراب ثنائي القطب. لا تنتظر حتى تتفاقم الأعراض — الدعم النفسي المبكر يصنع فارقًا كبيرًا في رحلة العلاج.
منصة نفسي فيرتول تمنحك فرصة التواصل مع دكتور نفسي أونلاين بكل خصوصية وأمان، دون الحاجة لمغادرة منزلك.
🔹 سواء كنت تبحث عن:
- دكتور نفسي متخصص في اضطراب ثنائي القطب
- علاج نفسي عن بعد
- طبيب نفسي مرخص في الإمارات
فكل ما تحتاجه أصبح في متناولك بخطوة واحدة فقط.
💬 احجز جلستك الآن، وابدأ طريقك نحو الاستقرار النفسي والتوازن العاطفي، مع نخبة من المختصين المعتمدين والمجربين.
المصادر المستعملة لكتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
- Illness anxiety disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
- Illness Anxiety Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf



