اضطراب تشويه صورة الجسد: أسبابه وطرق علاجه
في العصر الحديث، باتت معايير الجمال المثالية والمفروضة من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تُشكّل ضغطًا نفسيًا هائلًا على الأفراد، مما أدى إلى ازدياد الاضطرابات النفسية المرتبطة بالمظهر، وعلى رأسها اضطراب تشويه صورة الجسد. هذا الاضطراب لا يتعلق فقط بعدم الرضا عن المظهر، بل هو حالة نفسية مزمنة تسبب انشغالًا مفرطًا بعيوب جسدية غير ملحوظة أو مبالغ فيها، تؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة والسلوك اليومي للفرد.
الفهرس
- مفهوم اضطراب تشويه صورة الجسد
- أعراض اضطراب تشويه صورة الجسد
- أسباب اضطراب تشويه صورة الجسد
- أنواع اضطراب تشويه صورة الجسد
- طرق تشخيص اضطراب تشويه صورة الجسد
- طرق علاج اضطراب تشويه صورة الجسد
- طرق الوقاية من اضطراب تشويه صورة الجسد
- المصادر المستعملة لكتابة المقال
- منظمات دولية وهيئات طبية
- مصادر أكاديمية وطبية
- مقالات ومصادر متعمقة
يسعى هذا المقال إلى تقديم فهم شامل لهذا الاضطراب بطريقة علمية مبسطة، تشمل تعريفه، أعراضه، أسبابه، أنواعه، طرق التشخيص والعلاج، بالإضافة إلى وسائل الوقاية، بهدف التوعية وتقريب المفاهيم النفسية إلى الباحثين والمهتمين بالصحة النفسية.
مفهوم اضطراب تشويه صورة الجسد
اضطراب تشويه صورة الجسد (Body Dysmorphic Disorder – BDD) هو اضطراب نفسي يتميز بانشغال مفرط ومستمر بعيب أو أكثر في المظهر الجسدي، سواء كان العيب حقيقيًا لكن بسيطًا، أو غير موجود أصلًا. هذا الانشغال يؤدي إلى ضيق نفسي شديد، ويؤثر على أداء الفرد الاجتماعي والمهني اليومي.
يرى المصاب بـ BDD نفسه بطريقة مشوهة أو قبيحة، رغم أن الآخرين لا يلاحظون هذا “العيب”. وغالبًا ما يقضي وقتًا طويلًا أمام المرآة، أو يتجنبها تمامًا، ويقوم بسلوكيات قهرية كالفحص المتكرر، مقارنة مظهره بالآخرين، أو حتى اللجوء إلى عمليات تجميل متكررة دون رضا دائم.
يُصنّف BDD ضمن اضطرابات الوسواس القهري في التصنيفات النفسية الحديثة، نظرًا لوجود أفكار قهرية وسلوكيات متكررة مرتبطة بالانشغال بالمظهر.
أعراض اضطراب تشويه صورة الجسد
تتضمن أعراض اضطراب تشويه صورة الجسد نمطًا من الأفكار والسلوكيات التي تتركز حول جزء معين أو أكثر من الجسم، ويشعر المريض بالقلق المفرط حيالها. تبدأ الأعراض عادة في مرحلة المراهقة أو بداية البلوغ، وهي الفترات التي يكون فيها الفرد أكثر حساسية تجاه مظهره.
قد تشمل الأعراض انشغالًا دائمًا بجزء معين من الجسم مثل الوجه، الأنف، الجلد، الشعر، أو القوام العام، ويشعر الشخص أن هذا العيب يجعله غير جذاب أو حتى مشوهًا. يقضي المريض ساعات يوميًا في فحص مظهره، أو مقارنته بالآخرين، أو محاولة إخفاء العيوب المزعومة بالمكياج أو الملابس أو حتى عبر عمليات التجميل.
كما يعاني المريض من ضيق نفسي شديد، وقد يتجنب الأماكن العامة أو التفاعل الاجتماعي، خوفًا من نظرات الآخرين أو الانتقادات. كثير منهم يعانون من الاكتئاب، القلق، أو حتى أفكار انتحارية، خاصة إذا لم يتم تشخيص الحالة أو علاجها بالشكل الصحيح.
أسباب اضطراب تشويه صورة الجسد
تُعزى الإصابة باضطراب تشويه صورة الجسد إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، والتي تشمل:
- عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي لاضطرابات القلق أو الوسواس القهري.
- الاختلالات العصبية: اضطرابات في كيمياء الدماغ، خاصة في مستويات السيروتونين.
- الضغوط الاجتماعية: تأثير وسائل الإعلام والصور النمطية للمظهر المثالي.
- تجارب الطفولة المؤلمة: مثل التنمر، السخرية من المظهر، أو الإهمال العاطفي.
- السمات الشخصية: مثل الكمالية أو الحساسية المفرطة تجاه النقد.
- مشاكل في احترام الذات: الشعور بالدونية أو عدم القيمة بسبب المظهر.
- الإصابة السابقة باضطرابات نفسية: خاصة الوسواس القهري، القلق، أو الاكتئاب.
- عوامل ثقافية: المعايير الجمالية العالية في بعض المجتمعات.
أنواع اضطراب تشويه صورة الجسد
يمكن تصنيف اضطراب تشويه صورة الجسد إلى عدة أنماط حسب تركيز الانشغال:
- BDD المتعلق بالوجه: الانشغال بحجم الأنف، شكل العينين، الجلد أو حب الشباب.
- BDD المتعلق بالجسم: كالإحساس بأن الجسم سمين جدًا أو نحيف جدًا رغم الوزن الطبيعي.
- BDD المتعلق بالشعر: الخوف من الصلع أو المبالغة في عيوب فروة الرأس.
- BDD العضلي (Muscle Dysmorphia): شائع عند الرجال، ويتميز بالاعتقاد بأن الجسد غير عضلي أو ضعيف، رغم وجود لياقة أو بنية جيدة.
- BDD المرتبط بسلوكيات التجميل: الانشغال بعيوب تدفع الشخص للخضوع المتكرر لعمليات التجميل دون رضا.
- BDD المصاحب لتجنب المرايا أو الفحص القهري: البعض يتفادى رؤية نفسه، بينما آخرون يقضون ساعات أمام المرآة.
طرق تشخيص اضطراب تشويه صورة الجسد
يعتمد تشخيص اضطراب تشويه صورة الجسد على تقييم دقيق من قِبل الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي، حيث يتم استخدام المقابلة السريرية وتطبيق المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يُشترط أن يكون هناك انشغال واضح بعيب جسدي غير ملحوظ للآخرين، أو غير موجود فعليًا، وأن يؤدي هذا الانشغال إلى ضيق نفسي كبير أو تأثير سلبي على الأداء اليومي.
كما يتم التحقق من وجود سلوكيات متكررة مرتبطة بالقلق من المظهر، مثل النظر المتكرر في المرايا، التمويه، البحث عن تطمينات من الآخرين، أو مقارنة النفس بالآخرين. وللتشخيص الدقيق، يجب استبعاد وجود اضطرابات أخرى قد تفسر هذه الأعراض مثل اضطرابات الأكل أو اضطرابات الهوية الجنسية. وقد تُستخدم أدوات تقييم مثل استبيان تشويه صورة الجسد (BDD-YBOCS) لتحديد شدة الحالة.
طرق علاج اضطراب تشويه صورة الجسد
اضطراب تشويه صورة الجسد قابل للعلاج، خاصة إذا تم التدخل مبكرًا. تشمل خيارات العلاج:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد على تغيير الأفكار المشوهة حول المظهر وتعديل السلوكيات القهرية.
- العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة (ERP): تعريض الشخص للمواقف التي تثير القلق دون السماح له باتباع السلوكيات القهرية.
- العلاج الدوائي:
- مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs) مثل فلوكستين وسيرترالين.
- في بعض الحالات الشديدة، يُدمج العلاج الدوائي مع CBT لتحقيق أفضل النتائج.
- العلاج الأسري: مفيد في حالات المراهقين لرفع مستوى الدعم والتفهم داخل الأسرة.
- التوعية النفسية (Psychoeducation): توضيح طبيعة الاضطراب وتأثيره، للمريض والأسرة.
- العلاج الجماعي: يوفر بيئة دعم لفهم التجربة بشكل جماعي.
- تجنب عمليات التجميل غير الضرورية: لأنها لا تعالج السبب النفسي وتزيد من اضطراب المريض.
طرق الوقاية من اضطراب تشويه صورة الجسد
رغم عدم وجود وسيلة أكيدة للوقاية من اضطراب تشويه صورة الجسد، إلا أن بعض الخطوات الوقائية يمكن أن تقلل من احتمالية الإصابة، أو تساعد على اكتشافه مبكرًا. من المهم تعزيز احترام الذات منذ الصغر، والابتعاد عن ربط القبول الاجتماعي أو الشخصي بالمظهر الخارجي فقط. كما أن تثقيف الأطفال والمراهقين حول التنوع الطبيعي لأشكال الأجسام والوجوه يلعب دورًا وقائيًا مهمًا.
يجب مراقبة التغيرات السلوكية المتعلقة بالمظهر، خاصة عند المراهقين، مثل الانسحاب الاجتماعي أو قضاء وقت طويل أمام المرآة. وإذا ظهرت أي مؤشرات على القلق المفرط بشأن المظهر، فإن التقييم النفسي المبكر ضروري للحد من تفاقم الحالة.
الخاتمة
اضطراب تشويه صورة الجسد هو أكثر من مجرد عدم رضا عن شكل الجسد؛ إنه اضطراب نفسي معقّد يؤثر بشكل عميق على جودة حياة المصاب. في ظل الضغوط المجتمعية المتزايدة لبلوغ “المظهر المثالي”، يصبح من الضروري نشر الوعي حول هذا الاضطراب، والتأكيد على أهمية الصحة النفسية مقابل الصورة الظاهرية.
التشخيص والعلاج المبكر لهما دور محوري في مساعدة المصاب على إعادة بناء علاقته بجسده، وتعزيز احترامه لذاته، والتحرر من السلوكيات القهرية المرتبطة بالمظهر. طلب المساعدة من مختص نفسي لا يجب أن يكون أمرًا مؤجلًا، بل خطوة شجاعة في طريق الشفاء.
المصادر المستعملة لكتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
Body dysmorphic disorder (BDD) – NHS
Body dysmorphic disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
مصادر أكاديمية وطبية
Body Dysmorphic Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf



