
النهام العصبي: أعراضه، أسبابه وطرق علاجه
اضطرابات الأكل ليست مجرد مشكلات في تناول الطعام، بل تعكس صراعات نفسية عميقة تؤثر على علاقة الإنسان بجسده وذاته. من بين هذه الاضطرابات، يُعد “النُهام العصبي” من الحالات النفسية الشائعة التي تمس العديد من الأفراد، خاصة المراهقين والشباب، وتُعرّف بسلوكيات أكل قهرية يتبعها تعويض غير صحي، مثل التقيؤ أو استخدام الملينات. تكمن خطورة هذا الاضطراب في أنه غالبًا ما يختفي خلف مظهر طبيعي للجسم، مما يصعب اكتشافه. يهدف هذا المقال إلى توفير شرح علمي مبسط ومتكامل حول اضطراب النُهام العصبي، بداية من تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، مرورًا بأنواعه وتشخيصه، وانتهاءً بالعلاج والوقاية.
الفهرس
مفهوم النهام العصبي
اضطراب النهام العصبي هو أحد اضطرابات الأكل النفسية، ويتميّز بنوبات متكررة من تناول كميات كبيرة من الطعام في فترة قصيرة، يتبعها سلوكيات تعويضية غير صحية مثل التقيؤ القسري، أو استخدام المسهلات، أو الصيام المفرط، أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية، وذلك في محاولة لتجنّب زيادة الوزن. يشعر المصاب أثناء نوبة الأكل بفقدان السيطرة، ويعاني بعدها من إحساس شديد بالذنب والعار والخوف من السمنة. يختلف النُهام العصبي عن اضطراب نهم الطعام في أن الشخص المصاب به يحاول التخلص من الطعام بعد النوبة، بينما لا يفعل ذلك في اضطراب نهم الطعام.
أعراض النهام العصبي
تظهر أعراض اضطراب النهام العصبي بشكل نفسي وسلوكي وجسدي. تبدأ عادةً بنمط سري في تناول كميات كبيرة من الطعام في فترات قصيرة، ثم يلجأ المريض إلى التقيؤ أو استخدام الملينات أو ممارسة الرياضة بشكل مفرط. يتكرر هذا السلوك عدة مرات في الأسبوع، ويصاحبه شعور بفقدان السيطرة خلال الأكل، ثم إحساس قوي بالخزي أو الذنب بعد النوبة. كما يعاني الشخص من انشغال دائم بشكل الجسم ووزنه، مع خوف مفرط من السمنة. قد تظهر أعراض جسدية مثل تورم الغدد اللعابية، تآكل مينا الأسنان، اضطرابات في الجهاز الهضمي، ضعف عام، أو اختلالات في توازن الأملاح والسوائل بالجسم. وعلى المستوى النفسي، قد يترافق الاضطراب مع القلق، الاكتئاب، أو اضطرابات المزاج الأخرى.
أسباب النهام العصبي
- عوامل وراثية وبيولوجية: وجود تاريخ عائلي لاضطرابات الأكل أو الأمراض النفسية.
- اضطرابات كيمياء الدماغ: خلل في تنظيم النواقل العصبية، مثل السيروتونين، قد يؤثر على الشهية والمزاج.
- انخفاض تقدير الذات: غالبًا ما يعاني المصابون من مشاعر النقص، وعدم الرضا عن الجسد.
- الضغوط المجتمعية: التركيز المفرط على النحافة في الإعلام والثقافة السائدة.
- تجارب الطفولة: التعرض للتنمر، الاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو التجاهل العاطفي.
- الصراعات النفسية: مشاكل في العلاقات، صدمات نفسية، أو فقدان الشعور بالسيطرة.
- اضطراب صورة الجسم: النظرة السلبية تجاه الشكل الخارجي تدفع للسلوكيات القهرية.
- اتباع حميات قاسية: الأنظمة الغذائية المفرطة في التقييد قد تؤدي إلى نوبات النُهام.
أنواع النهام العصبي
- النُهام العصبي من النوع المُقيِّئ: يتضمن التقيؤ القسري أو استخدام الملينات بعد نوبات الأكل.
- النُهام العصبي من النوع غير المُقيِّئ: يتضمن سلوكيات تعويضية مثل الصيام أو الإفراط في التمارين دون تقيؤ.
- النُهام الخفيف: من مرة إلى ثلاث مرات أسبوعيًا.
- النُهام المتوسط: أربع إلى سبع مرات أسبوعيًا.
- النُهام الشديد: من ثماني إلى ثلاث عشرة مرة أسبوعيًا.
- النُهام المفرط: أكثر من أربع عشرة مرة أسبوعيًا.
طرق تشخيص النهام العصبي
يُشخّص اضطراب النُهام العصبي بناءً على مقابلة سريرية دقيقة، تتضمن استكشاف نمط الأكل، والسلوكيات التعويضية، ومدى تأثير هذه السلوكيات على الحياة اليومية. وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، يشترط لتأكيد التشخيص أن تحدث نوبات الأكل القهري والتعويض مرة واحدة أسبوعيًا على الأقل، ولمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. يُقيّم الطبيب النفسي أيضًا الصحة الجسدية للمريض، للتأكد من عدم وجود مضاعفات مثل انخفاض مستويات البوتاسيوم، أو اضطرابات في نظم القلب. كما يتم استبعاد الحالات الأخرى مثل فقدان الشهية العصبي أو اضطراب نهم الطعام، لتحديد التشخيص بدقة.
طرق علاج النهام العصبي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد على تعديل الأفكار غير الصحية تجاه الطعام والجسم، والتحكم في سلوكيات الأكل القهرية.
- العلاج بين الشخصي (IPT): يركز على تحسين العلاقات الاجتماعية وفهم تأثيرها على اضطراب الأكل.
- العلاج الأسري: خاصة للمراهقين، حيث يساهم في بناء بيئة داعمة تقلل من الانتكاسات.
- العلاج الدوائي: تستخدم بعض مضادات الاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs) لتخفيف الأعراض، تحت إشراف طبيب مختص.
- الإرشاد الغذائي: مع أخصائي تغذية لمساعدة الشخص على استعادة العلاقة الصحية مع الطعام.
- العلاج الجماعي: يعزز الدعم النفسي من خلال مشاركة التجارب مع آخرين يعانون من نفس الاضطراب.
- التوعية والتمكين: من خلال برامج صحية نفسية لبناء الثقة وتقدير الذات.
- علاج المشكلات النفسية المصاحبة: مثل القلق، والاكتئاب، واضطرابات الشخصية.
طرق الوقاية من النهام العصبي
الوقاية من اضطراب النُهام العصبي تبدأ بالوعي المبكر وتقديم الدعم النفسي للأشخاص الذين يظهر عليهم انشغال مفرط بالوزن أو الطعام. من المهم تعزيز ثقافة تقبّل الذات، وتقديم نماذج إيجابية لصورة الجسد بعيدًا عن المثالية الزائفة. كما ينبغي التنبيه إلى مخاطر الحميات القاسية، ومراقبة سلوكيات الأكل غير الطبيعية، خصوصًا في فئة المراهقين. التثقيف النفسي في المدارس والمجتمعات يلعب دورًا كبيرًا في الحد من ظهور اضطرابات الأكل. وأخيرًا، يجب ألا يتم تجاهل أي سلوكيات مشبوهة، بل التعامل معها بجدية من خلال مختصين في الصحة النفسية.
في الختام
في الختام، يُعد اضطراب النُهام العصبي أكثر من مجرد علاقة مضطربة بالطعام، فهو انعكاس لصراعات داخلية متجذرة تتطلب فهمًا عميقًا ودعمًا متخصصًا. ورغم آثاره الجسدية والنفسية المؤلمة، فإن العلاج المبكر والمتكامل يساعد في التعافي وتحقيق التوازن من جديد. إن إدراك أهمية الصحة النفسية ومتابعة السلوكيات اليومية المرتبطة بالأكل يمكن أن تكون الخطوة الأولى للوقاية والعلاج. إذا شعرت بأن علاقتك مع الطعام تخرج عن السيطرة، فاطلب المساعدة دون تردد — التعافي ممكن، والدعم متاح.