اضطراب التحويل: أعراضه، أسبابه وطرق علاجه
يُدرَج اضطراب التحويل في التصنيف الحديث (DSM‑5) تحت فئة “اضطرابات الأعراض الجسدية والاضطرابات ذات الصلة” (Somatic Symptom and Related Disorders) كنوع من “الاضطراب العصبي الوظيفي”. ويُشير المصطلح الحديث إلى أن الأعراض ناتجة عن خلل في كيفية معالجة الدماغ للجذور العصبية الحسية أو الحركية، لا بسبب تلف حقيقي في الجهاز العصبي، بل خلل “وظيفي” في إرسال أو استقبال الإشارات العصبية أو تفسيرها. (وفق Mayo Clinic)
الفهرس
من منظور نفسي، يُعتقد أن العوامل النفسية – مثل الصدمة أو الضغوط النفسية أو الصراعات الداخلية – قد تتحوّل إلى أعراض جسمانية (“تحويل”) كآلية دفاعية لا شعورية، بحيث يُعَبَّر عن التوتر أو الصراع النفسي في هيئة أعراض جسدية. لكن في النهج العصبي الحديث، يُرى أن هناك تداخلًا بين العوامل النفسية والعوامل الدماغية في صياغة الأعراض.
إذًا، اضطراب التحويل يُعد حالة تتوسط بين علم النفس والطب العصبي، وهي مهمة للفهم كونها تبيّن كيف يمكن أن يُظهر الجسد أعراضًا قوية لا يكتشف الطب سببًا عضويًا لها، مما يستدعي تعاملًا خاصًا يجمع بين الفحص العصبي والدعم النفسي.
أعراض اضطراب التحويل
في اضطراب التحويل، تظهر أعراض عصبية أو جسدية مفاجئة أو تدريجية، تكون حقيقية من منظور المريض والمحيطين، لكنها لا تتّبع نمطًا تشريحيًا أو عضوياً يمكن تفسيره بالأدلة الطبية. هذه الأعراض قد تتغيّر في شدتها أو تختفي وتعود.
قد يشعر المريض بضعف أو شلل في أحد الأطراف أو أكثر، أو صعوبة في المشي أو التوازن، أو خلل في الحركة مثل الرعشة أو الحركات اللاإرادية. يمكن أن تطرأ اضطرابات في النطق كصعوبة في الكلام أو فقدان النطق، أو صعوبة في البلع أو شعور بوجود “كتلة في الحلق”.
قد تُعاني الحواس من تغيّرات، مثل فقدان الإحساس في مناطق من الجلد، أو خدر، أو تغيّرات في السمع أو البصر، ربما رؤية ضبابية أو فقدان مؤقت للرؤية، أو اضطرابات في السمع. في بعض الحالات، قد تحدث نوبات تشبه التشنجات أو الصرع (لكنها ليست نتيجة النشاط الكهربائي العصبي المعتاد في الصرع) وتُعرف بنوبات “غير صرعية نفسية” (psychogenic non-epileptic seizures). قد يُعاني البعض من اختلالات في التوازن أو التنسيق الحركي، أو مشية غير مستقرة.
من الناحية الزمنية، قد تظهر الأعراض فجأة أو بعد حدث ضاغط، وقد تستمر لبضعة أيام أو أسابيع، وتخف تدريجيًا أو بشكل مفاجئ. في بعض الحالات، تختفي الأعراض مؤقتًا ثم تعود لاحقًا. ملاحظة مهمة: المريض لا يكون “يتظاهَر” أو “يتصنع” الأعراض؛ بل الأعراض حقيقية وشعورها حقيقي، لكنه لا يوجد تفسير عضوي واضح.
بعض المرضى قد لا يبدون رد فعل عاطفي كبير تجاه الأعراض (ما يُعرف بـ “لامبالاة جميلة” أو La belle indifference)، لكن ليس دائمًا.
أسباب اضطراب التحويل
إليك أبرز العوامل التي يُعتقد أنها تهيّئ لظهور اضطراب التحويل:
- التعرض لحدث نفسي شديد أو صدمة (مثل حادث، وفاة، عنف)
- التوتر النفسي المكبوت أو الصراع الداخلي
- تاريخ من الصدمة الطفولية أو الإيذاء الجسدي/النفسي
- وجود اضطرابات نفسية مصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب الشخصية
- الحساسية العاطفية أو ضعف القدرة على التعبير العاطفي
- عوامل بيولوجية أو عصبية تؤثر على استجابات الدماغ الحسية أو الحركية
- التعلم من البيئة (مثال: من يرى أن مريضًا آخر عنده أعراض مشابهة)
- عوامل وراثية أو استعداد عائلي إلى اضطرابات نفسية
- تجارب طبية أو أدوار سابقة من المرض الجسدي قد تُغذّي التحول
- الضغط الاجتماعي أو التوقعات الثقافية التي تحوّل التعبير النفسي إلى جسماني
هذه العوامل غالبًا لا تعمل بمفردها، بل تتضافر لتشكيل الحالة لدى شخص معين في ظرف معين.
أنواع اضطراب التحويل
يمكن تصنيف اضطراب التحويل أو الأشكال السريرية له إلى أنواع متعددة، منها:
- النوع الحركي — حيث يتركز العرض في ضعف أو شلل أو اضطراب الحركة أو المشية
- النوع الحسي — حيث يشمل فقدان أو تغيّر في الإحساس (خدر، فقدان حسّ، تغير في الحس الجلدي)
- النوع المختلط — يجمع بين أعراض حركية وحسية معًا
- النوبات غير الصرعية النفسية — وهي نوبات تشبه التشنجات أو الصرع، لكنها ليست ناتجة عن نشاط كهربائي عصبي غير طبيعي
- اضطراب النطق والبلع الوظيفي — حيث يظهر المريض صعوبة في الكلام أو فقدان الصوت أو البلع بدون سبب عضوي
- اضطراب الحسّ الخاص — مثل الرؤية أو السمع أو التذوق أو الشم تتعرض لتغيّر وظيفي
- العَرَض المؤقت أو العابر — حيث تظهر الأعراض وتختفي بسرعة
- العَرَض المزمن أو المتكرر — حيث تتكرر الأعراض أو تستمر لفترات طويلة
هذا التصنيف يساعد الطبيب في تحديد التوجه العلاجي بناءً على طبيعة العرض.
مقال ذي صلة: الألم النفسي الجسدي: أسبابه وطرق علاجه – دكتور نفسي اونلاين
طرق تشخيص اضطراب التحويل
التشخيص في اضطراب التحويل يعتمد على تقييم شامل يجمع بين التقييم العصبي والفحص النفسي، بهدف استبعاد جميع الأسباب العضوية المحتملة، ثم الاعتراف بأن الأعراض ليست مفسّرة بآلية تشريحية واضحة.
أولًا، يقوم الطبيب أو الاختصاصي العصبي بإجراء فحص طبي شامل يشمل التاريخ المرضي، فحصًا عصبيًا، وقد يطلب تحاليل الدم، التصوير العصبي (مثل MRI أو CT أو تصوير وظائف الدماغ) وفحوصات كهربية إذا لزم الأمر (EEG). الهدف من هذه الفحوصات هو استبعاد الأمراض العضوية التي قد تفسّر الأعراض العصبية.
إذا لم يُكتشف أي سبب عضوي، يُحال المريض إلى طبيب نفسي أو اختصاصي الصحة النفسية، ليُقيّم نفسياً. يُجرى حوار عن الأحداث الحياتية، الضغوط النفسية، الصدمات، التاريخ النفسي، الأعراض النفسية المصاحبة (اكتئاب، قلق، اضطراب الشخصية). كما يُراقب الطبيب نمط الأعراض وسلوكها في الفحص السريري، مثل تناقض الأعراض (تغيّرها حسب السياق) أو التبدّل في الأداء العصبي.
في التشخيص يُستخدم معيار DSM‑5 لـ “الاضطراب العصبي الوظيفي / Conversion Disorder (Functional Neurologic Symptom Disorder)”، الذي يشترط: وجود عرض حركي أو حسي واحد على الأقل، أن هذا العرض لا يُفسَّر بشكل كافٍ بحالة طبية أو اضطراب آخر، وألا يكون العرض مُتعمَّدًا (أي ليس في إطار التمثيل المتعمد أو التزييف)، وأن العرض يسبب انزعاجًا أو ضعفًا في الأداء الاجتماعي أو المهني.
أهمية التشخيص في اضطراب التحويل تكمن في دقة الاستبعاد. كثير من الحالات تُشخَّص خطأ إذا لم تجرِ الفحوصات الكافية. لذلك التشخيص ليس فوريًا في بعض الحالات، وإنما يُعطى بعد متابعة ومراقبة للتأكد من عدم ظهور دليل عضوي لاحق.
طرق علاج اضطراب التحويل
إليك أبرز أساليب العلاج التي يُستخدمها المختصون في معالجة اضطراب التحويل:
- العلاج النفسي، خصوصًا العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
- العلاج النفسي التحليلي أو الديناميكي في بعض الحالات
- استخدام تقنيات إعادة التوجيه الذهني (مثل التمارين السلوكية)
- العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي لتقوية العضلات وتحسين الأداء الحركي
- العلاج الوظيفي (occupational therapy) لمساعدة المريض في الأنشطة اليومية
- التثقيف النفسي للمريض وأسرته حول طبيعة الاضطراب وتشجيع الفهم
- تقنيات إدارة التوتر (مثل الاسترخاء، التنفس العميق، التأمل)
- الدعم النفسي والعلاج الجماعي أو الأسري
- أحيانًا استخدام الأدوية لعلاج الاضطرابات النفسية المصاحبة (مثل مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق)
- التنسيق بين طبيب الأعصاب والطبيب النفسي في نهج متعدد التخصصات
- المتابعة المستمرة وتعديل العلاج بمرور الزمن حسب الاستجابة
- تحفيز المريض للتدرج في استخدام الأجزاء المتأثرة والعمل على العودة التدريجية للنشاط
- مراقبة الحالات المزمنة أو المتكررة والتصرف السريع عند ظهور أعراض جديدة
من المهم أن يكون التدخل سريعًا ومتناغمًا، لأن التأخير في العلاج قد يؤدي إلى ترسيخ العرض أو مزيد من المعاناة.
طرق الوقاية من اضطراب التحويل
الصعوبة في اضطراب التحويل هي أن الأعراض قد تظهر فجأة وبدون إنذار، لذا ليس هناك وسيلة مضمونة لمنع حدوثها. لكن توجد استراتيجيات قد تقلّل المخاطر أو تخفّف من حدتها:
من الأفضل أن يُولي الفرد العناية بصحته النفسية، عبر استخدام أساليب التنفّس، والاسترخاء، وممارسة الرياضة، والنوم الجيد، والدعم الاجتماعي. في حالات الضغوط النفسية أو الصدمات، يُستحسَن اللجوء إلى الدعم النفسي أو العلاج النفسي مبكرًا. إذا كان للفرد تاريخ عائلي أو سبق نفسي، فإن المتابعة الدورية تساعد في رصد أي تغيّر مبكر في الأعراض.
أيضًا، التوعية المجتمعية والطبية بوجود هذا الاضطراب تساعد في تقليل الوصمة، وتشجيع من يشعر بأعراض غير مفسَّرة على طلب المساعدة بدلاً من الانتظار. عند بداية ظهور أعراض عصبية بلا تفسير، من الأفضل التعامل معها بواقعية وفتح حوار مع مختص، بدلاً من التشاؤم أو تجاهلها.
في النهاية، الوقاية تعتمد على الوعي النفسي، التدخّل المبكر، والبيئة الداعمة التي تشجع على التعبير العاطفي بدلاً من كبت الضغوط.
ختامًا…
إذا كنت تشعر بأعراض عصبية مفاجئة — ضعف في الحركة أو الإحساس، أو تغير في الكلام أو البصر دون سبب طبي واضح — فقد تكون هذه علامات لاضطراب التحويل أو اضطراب عصبي وظيفي. لا تنتظر حتى تتفاقم الأعراض — التشخيص والدعم المبكر قد يحدثان فرقًا كبيرًا في رحلة العلاج.
سواء كنت تبحث عن: دكتور نفسي متخصص في اضطرابات التحويل، علاج نفسي عن بعد، طبيب نفسي مرخص.
فكل ما تحتاجه أصبح في متناولك بخطوة واحدة فقط.
💬 احجز جلستك الآن، وابدأ طريقك نحو التوازن النفسي والصحة العصبية، بدعم من مختصين الخبرة.
المصادر المستعملة لكتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
Functional Neurological Disorder (Conversion Disorder)
Functional neurologic disorder/conversion disorder – Symptoms & causes – Mayo Clinic
مصادر أكاديمية وطبية
Functional Neurologic Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
Conversion Disorder: Causes, Symptoms, and Treatment


