اضطراب التوتر الحاد: أعراضه، أسبابه وطرق علاجه
اضطراب التوتر الحاد هو أحد الاضطرابات النفسية التي تظهر كرد فعل مباشر لحدث صادم أو تجربة شديدة القسوة تهدد حياة الفرد أو سلامته النفسية والجسدية. يُعد هذا الاضطراب استجابة فورية ومؤقتة للضغط النفسي، ويتميز بأعراض انفعالية ومعرفية وسلوكية تظهر خلال فترة قصيرة بعد الحدث الصادم.
الفهرس
في عالم اليوم، حيث تتزايد الحوادث المرورية، الكوارث الطبيعية، الحروب، والعنف المجتمعي، أصبح اضطراب التوتر الحاد من القضايا النفسية المهمة التي تستدعي فهمًا علميًا دقيقًا وتدخلاً علاجياً مبكرًا.
تكمن أهمية دراسة هذا الاضطراب في أنه يمثل مرحلة انتقالية يمكن أن تتطور إلى اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD) إن لم يتم التعامل معه بالشكل المناسب. لذا، فإن التعرف على أعراضه وأسبابه وطرق علاجه يعد أمرًا جوهريًا لكل من المختصين والباحثين وحتى الأفراد العاديين الراغبين في فهم تأثير الصدمات النفسية على الإنسان.
مفهوم اضطراب التوتر الحاد
اضطراب التوتر الحاد (Acute Stress Disorder) هو استجابة نفسية وجسدية سريعة لحدث صادم يتجاوز قدرة الفرد على التحمل. يظهر عادة خلال الأيام الأولى بعد التعرض للصدمة، ويستمر من ثلاثة أيام إلى شهر واحد كحد أقصى.
يُشخَّص الاضطراب عندما يعاني الفرد من مجموعة من الأعراض تشمل: استرجاع الحدث الصادم بشكل متكرر، الانفصال عن الواقع، القلق الشديد، وصعوبات النوم أو التركيز. يختلف اضطراب التوتر الحاد عن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في المدة الزمنية؛ فبينما يستمر الأول لفترة قصيرة نسبيًا، يمتد الثاني لأكثر من شهر وقد يصبح مزمنًا إذا لم يُعالج.
يُعتبر هذا الاضطراب آلية دفاعية يحاول فيها الدماغ التعامل مع الحدث المهدد للحياة عن طريق استجابة طارئة قد تشمل الانفصال النفسي أو التبلد العاطفي لحماية الذات من الألم النفسي المفرط.
أعراض اضطراب التوتر الحاد
تتباين أعراض اضطراب التوتر الحاد في شدتها من شخص لآخر، وتعتمد على طبيعة الحدث الصادم واستعداد الفرد النفسي. إلا أنها عادة ما تظهر خلال الساعات أو الأيام القليلة بعد الصدمة.
غالبًا ما يُظهر المصاب علامات اضطراب واضحة في التفكير والانفعال والسلوك. قد يبدأ الشخص بإعادة تذكّر تفاصيل الحادث بشكل متكرر، سواء عبر أحلام مزعجة أو ومضات ذهنية متكررة، وكأنه يعيش الحدث من جديد. هذا الاسترجاع المتكرر يؤدي إلى زيادة القلق والتوتر، وقد يصاحبه شعور بالانفصال عن الواقع أو فقدان الإحساس بالزمن والمكان، فيما يُعرف بـ”التبدد أو الانفصال عن الذات”.
يواجه المصاب صعوبة في التركيز والنوم، مع تزايد الشعور بالخوف المفرط أو الغضب غير المبرر. كما يُلاحظ تجنب المواقف أو الأماكن المرتبطة بالحادث، في محاولة للهروب من الذكريات المؤلمة. أحيانًا تظهر أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب، التعرق، الارتجاف، واضطرابات في الجهاز الهضمي نتيجة التوتر.
إن استمرار هذه الأعراض لمدة تتراوح بين 3 أيام إلى أقل من 4 أسابيع هو ما يميز اضطراب التوتر الحاد عن غيره من ردود الفعل الطبيعية أو الاضطرابات طويلة الأمد.
أسباب اضطراب التوتر الحاد
يرتبط اضطراب التوتر الحاد بعوامل نفسية وبيولوجية متعددة، وغالبًا ما يكون نتيجة لتفاعل بين الحدث الصادم واستعداد الفرد النفسي. ومن أبرز أسبابه:
- التعرض لحدث صادم مباشر: مثل حادث سير، اعتداء جسدي أو جنسي، فقدان شخص عزيز، كارثة طبيعية، أو مشاهدة موقف عنيف.
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي لاضطرابات القلق أو الاكتئاب يزيد من قابلية الإصابة.
- خلل في كيمياء الدماغ: اضطرابات في النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين التي تنظم المزاج والانفعال.
- العوامل الشخصية: الأشخاص ذوو الشخصية الحساسة أو الذين يعانون من ضعف مهارات التأقلم معرضون أكثر للإصابة.
- نقص الدعم الاجتماعي: غياب المساندة من الأسرة أو الأصدقاء بعد الحدث يزيد من شدة الأعراض.
- تجارب صادمة سابقة: المرور بصدمات متكررة دون علاج سابق يمكن أن يضعف القدرة على التكيف مستقبلاً.
أنواع اضطراب التوتر الحاد
رغم أن الدليل التشخيصي لا يقسّم اضطراب التوتر الحاد إلى أنواع رسمية، إلا أن الأخصائيين يصنفونه بناءً على نمط الأعراض الغالبة كما يلي:
- النوع الانفصالي: تهيمن عليه أعراض الانفصال عن الواقع أو فقدان الإحساس بالزمن والمكان.
- النوع القلقي: يتصف بالخوف المفرط، الهلع، وتوتر مفرط دائم.
- النوع الاجتراري: يتميز باسترجاع متكرر للحدث المؤلم عبر صور ذهنية وأحلام مزعجة.
- النوع التجنبي: يظهر في صورة تجنب المواقف والأشخاص المرتبطين بالحادث الصادم.
- النوع المختلط: يجمع بين عدة أعراض من الأنواع السابقة بدرجات متفاوتة.
طرق تشخيص اضطراب التوتر الحاد
يعتمد تشخيص اضطراب التوتر الحاد على تقييم سريري دقيق يقوم به طبيب نفسي أو أخصائي صحة نفسية. يبدأ التشخيص عادةً بمقابلة مفصلة تتناول الحدث الصادم، توقيت الأعراض، ومدى تأثيرها على حياة الفرد اليومية.
وفقًا للدليل التشخيصي (DSM-5)، يُشترط لثبوت التشخيص أن تظهر الأعراض خلال 3 أيام إلى شهر واحد بعد التعرض للحدث، وأن تتضمن على الأقل تسعة أعراض من فئات مختلفة تشمل: الاسترجاع، الانفصال، التجنب، والأعراض الانفعالية.
يتم استبعاد الاضطرابات الأخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة، الاكتئاب الشديد، أو اضطرابات القلق العام. قد تُستخدم أدوات تشخيصية مثل مقياس اضطراب التوتر الحاد (ASDS) لتقدير شدة الأعراض.
من المهم أيضًا التفريق بين رد الفعل الطبيعي للضغط النفسي، الذي يتراجع تدريجيًا، وبين اضطراب التوتر الحاد الذي يستمر بشكل مؤثر ويؤدي إلى تدهور الأداء الوظيفي والاجتماعي. كلما تم تشخيص الحالة مبكرًا، زادت فرص الشفاء ومنع تطورها إلى اضطراب الكرب التالي للصدمة.
طرق علاج اضطراب التوتر الحاد
يهدف علاج اضطراب التوتر الحاد إلى تخفيف الأعراض، دعم الاستقرار النفسي، ومنع تطور الحالة إلى اضطراب مزمن.
تتعدد الأساليب العلاجية المستخدمة، وغالبًا ما يجمع الطبيب بين أكثر من طريقة تبعًا لاحتياجات المريض.
أهم طرق العلاج تشمل:
- العلاج النفسي (العلاج المعرفي السلوكي – CBT): يُعتبر الخيار الأول، حيث يساعد المريض على فهم العلاقة بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، وتعلم مهارات التكيف مع الصدمة.
- العلاج بالتعرض التدريجي: يهدف إلى تقليل الخوف من خلال تعريض المريض تدريجيًا للذكريات أو المواقف المرتبطة بالحادث في بيئة آمنة.
- العلاج الدوائي: يمكن وصف مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب (مثل SSRIs) لتخفيف الأعراض الحادة مثل الأرق أو نوبات الهلع.
- العلاج الجماعي: يتيح للمصابين مشاركة تجاربهم ودعم بعضهم البعض، مما يعزز التعافي النفسي.
- الدعم الأسري والاجتماعي: وجود بيئة داعمة يساعد المريض على استعادة إحساسه بالأمان.
- تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق: تساعد في السيطرة على الأعراض الجسدية للتوتر مثل تسارع ضربات القلب والتعرق.
- العلاج بالكتابة أو التعبير الفني: يتيح للمريض تفريغ المشاعر المكبوتة بطريقة آمنة وبنّاءة.
طرق الوقاية من اضطراب التوتر الحاد
تتمثل الوقاية من اضطراب التوتر الحاد في تقوية قدرة الأفراد على التعامل مع الصدمات قبل أن تتحول إلى اضطراب نفسي. تُعد الاستجابة السريعة بعد الحادث من أهم عوامل الوقاية، إذ يساعد تقديم الدعم النفسي المبكر على تقليل احتمالية تطور الاضطراب. من المهم تدريب الأفراد المعرضين للصدمات (كالعاملين في الطوارئ أو الجنود) على مهارات إدارة التوتر والتعامل مع المواقف الخطيرة.
كما يُنصح بتوفير بيئة داعمة بعد الحدث، تتيح التعبير عن المشاعر ومناقشة التجربة بدلاً من كبتها. تشير الأبحاث إلى أن المرونة النفسية تلعب دورًا وقائيًا كبيرًا، ويمكن تعزيزها عبر أنشطة الاسترخاء، الدعم الاجتماعي، والتفكير الإيجابي. أيضًا، مراقبة الأشخاص الذين مروا بحدث صادم لفترة قصيرة بعده تساعد في اكتشاف الحالات مبكرًا قبل تفاقمها.
في الختام
اضطراب التوتر الحاد هو أحد الاضطرابات النفسية المهمة التي تمثل استجابة فورية لصدمات الحياة القاسية. ورغم أنه حالة مؤقتة في الغالب، إلا أنه يحتاج إلى اهتمام جاد وتدخل مهني سريع لتفادي تحوله إلى اضطراب ما بعد الصدمة. يمثل الفهم الصحيح لهذا الاضطراب خطوة أساسية نحو تعزيز الصحة النفسية العامة، خاصة في المجتمعات التي تتعرض لمعدلات عالية من الضغوط والأزمات.
إن الدعم الأسري، التثقيف النفسي، وتوافر خدمات الصحة النفسية يسهمون بشكل كبير في تخفيف معاناة المصابين وتمكينهم من تجاوز آثار الصدمة بثقة وقوة. يمكن القول إن الإنسان يمتلك قدرة مذهلة على التعافي متى ما وُجدت الرعاية الصحيحة والبيئة الداعمة، فكل صدمة هي اختبار للمرونة، وكل شفاء هو انتصار على الألم.
المصادر المستعملة لكتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
Acute Stress Disorder (ASD): What It Is, Symptoms & Treatment
Acute Stress Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
مصادر أكاديمية وطبية
Acute Stress Disorder – Mental Health Disorders – MSD Manual Consumer Version
Acute Stress Disorder (ASD) – Psychiatric Disorders – MSD Manual Professional Edition
مقالات ومصادر متعمقة
Acute Stress Disorder: Practice Essentials, Background, Etiology


